responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 148
أَمَّا الْكُفْرُ إِذَا جَاءَ فَلَا الْتِفَاتَ إِلَى الْأَعْمَالِ، فَلَمْ يَقُلْ وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا وَعَمِلُوا السَّيِّئَاتِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ فَسَقُوا كَفَرُوا وَلَوْ جَعَلَ الْعِقَابَ فِي مُقَابَلَةِ الْكُفْرِ وَالْعَمَلِ، لَظُنَّ أَنَّ مُجَرَّدَ الْكُفْرِ لَا عِقَابَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ (لَهُمْ) بِلَامِ التَّمْلِيكِ زِيَادَةُ إِكْرَامٍ لِأَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ اسْكُنْ هَذِهِ الدَّارَ يَكُونُ ذَلِكَ مَحْمُولًا عَلَى الْعَارِيَةِ وَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ، وَإِذَا قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لَكَ يَكُونُ ذَلِكَ مَحْمُولًا عَلَى نِسْبَةِ الْمِلْكِيَّةِ إِلَيْهِ وَلَيْسَ/ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ بِحُكْمِ قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: لَهُمْ جَنَّاتٍ [البقرة: 25] أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَسْكَنَ آدَمَ الْجَنَّةَ وَكَانَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ يُخْرِجُهُ مِنْهَا قَالَ: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [الْبَقَرَةِ: 35] وَلَمْ يَقُلْ لَكُمَا الْجَنَّةُ وَفِي الْآخِرَةِ لَمَّا لَمْ يكن للمؤمنين خروج عنها قال: لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:
111] ولَهُمْ جَنَّاتٍ وَقَوْلُهُ: كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا إِشَارَةٌ إِلَى مَعْنًى حُكْمِيٍّ، وَهُوَ أَنَّ الْمُؤْلِمَ إِذَا تَمَكَّنَ وَالْأَلَمَ إِذَا امْتَدَّ لَمْ يَبْقَ بِهِ شُعُورٌ تَامٌّ وَلِهَذَا قَالَ الْأَطِبَّاءُ إِنَّ حَرَارَةَ حُمَّى الدَّقِّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَرَارَةِ الْحُمَّى الْبَلْغَمِيَّةِ نِسْبَةُ النَّارِ إِلَى الْمَاءِ الْمُسَخَّنِ، ثُمَّ إِنَّ الْمَدْقُوقَ لَا يُحِسُّ مِنَ الْحَرَارَةِ بِمَا يُحِسُّ بِهِ مَنْ بِهِ الْحُمَّى الْبَلْغَمِيَّةُ لِتَمَكُّنِ الدَّقِّ وَقُرْبِ الْعَهْدِ بِظُهُورِ حَرَارَةِ الْحُمَّى الْبَلْغَمِيَّةِ، وَكَذَلِكَ الْإِنْسَانُ إِذَا وَضَعَ يَدَهُ فِي مَاءٍ بَارِدٍ يَتَأَلَّمُ مِنَ الْبَرْدِ، فَإِذَا صَبَرَ زَمَانًا طَوِيلًا تَثْلُجُ يَدُهُ وَيَبْطُلُ عَنْهُ ذَلِكَ الْأَلَمُ الشَّدِيدُ مَعَ فَسَادِ مِزَاجِهِ، إِذَا عَلِمْتَ هَذَا فَقَوْلُهُ: كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِلَهَ لَا يَسْكُنُ عَنْهُمْ بَلْ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ حَالِ أَمْرٍ مُؤْلِمٍ يُجَدَّدُ وَقَوْلُهُ: ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ يُقَرِّرُ مَا ذَكَرْنَا وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا كَانُوا يُكَذِّبُونَ بِعَذَابِ النَّارِ، فَلَمَّا ذَاقُوهُ كَانَ أَشَدَّ إِيلَامًا لِأَنَّ مَنْ لَا يَتَوَقَّعُ شَيْئًا فَيُصِيبُهُ يَكُونُ أَشَدَّ تَأْثِيرًا، ثُمَّ إِنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ كَمَا فِي الدُّنْيَا يَجْزِمُونَ أَنْ لَا عَذَابَ إِلَّا وَقَدْ وَصَلَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَتَوَقَّعُونَ شَيْئًا آخَرَ مِنَ الْعَذَابِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِمْ عَذَابٌ أَشَدُّ مِنَ الْأَوَّلِ، وَكَانُوا يُكَذِّبُونَ بِهِ بِقَوْلِهِمْ لَا عَذَابَ فَوْقَ مَا نَحْنُ فيه فان مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ لَيْسَ مُقْتَصِرًا عَلَى تَكْذِيبِهِمُ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا بَلْ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابًا كَذَّبْتُمْ بِهِ مِنْ قَبْلُ، أَمَّا فِي الدُّنْيَا بِقَوْلِكُمْ لَا عَذَابَ فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَبِقَوْلِكُمْ لَا عَذَابَ فَوْقَ ما نحن فيه ثم لما هددهم قال تعالى:

[سورة السجده (32) : آية 21]
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)
يَعْنِي قَبْلَ عَذَابِ الْآخِرَةِ نُذِيقُهُمْ عَذَابَ الدُّنْيَا فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا لَا نِسْبَةَ لَهُ إِلَى عَذَابِ الْآخِرَةِ لِأَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا لَا يَكُونُ شَدِيدًا، وَلَا يَكُونُ مَدِيدًا فَإِنَّ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ فِي الدُّنْيَا يُهْلِكُ فَيَمُوتُ الْمُعَذَّبُ وَيَسْتَرِيحُ مِنْهُ فَلَا يَمْتَدُّ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُعَذَّبُ أَنْ يَمْتَدَّ عَذَابُ الْمُعَذَّبِ لَا يُعَذِّبُهُ بِعَذَابٍ فِي غَايَةِ الشِّدَّةِ، وَأَمَّا عَذَابُ الْآخِرَةِ فَشَدِيدٌ ومديد، وفي الآية مسألتان:
إحداهما: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى فِي مُقَابَلَتِهِ الْعَذَابُ الْأَقْصَى وَالْعَذَابُ الْأَكْبَرُ فِي مُقَابَلَتِهِ الْعَذَابُ الْأَصْغَرُ، فَمَا الْحِكْمَةُ فِي مُقَابَلَةِ الْأَدْنَى بِالْأَكْبَرِ؟ فَنَقُولُ حَصَلَ فِي عَذَابِ الدُّنْيَا أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا:
أَنَّهُ قَرِيبٌ وَالْآخَرُ أَنَّهُ قَلِيلٌ صَغِيرٌ وَحَصَلَ فِي عَذَابِ الْآخِرَةِ أَيْضًا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بَعِيدٌ وَالْآخَرُ أَنَّهُ عَظِيمٌ كَثِيرٌ، لَكِنَّ الْقُرْبَ فِي عَذَابِ الدُّنْيَا هُوَ الَّذِي يَصْلُحُ/ لِلتَّخْوِيفِ بِهِ، فَإِنَّ الْعَذَابَ الْعَاجِلَ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا قَدْ يَحْتَرِزُ مِنْهُ بَعْضُ النَّاسِ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَرِزُ مِنَ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ إِذَا كَانَ آجِلًا، وَكَذَا الثَّوَابُ الْعَاجِلُ قَدْ يَرْغَبُ فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ وَيَسْتَبْعِدُ الثَّوَابَ الْعَظِيمَ الْآجِلَ، وَأَمَّا فِي عَذَابِ الْآخِرَةِ فَالَّذِي يَصْلُحُ لِلتَّخْوِيفِ بِهِ هُوَ الْعَظِيمُ وَالْكَبِيرُ لَا الْبَعِيدُ لِمَا بَيَّنَّا فَقَالَ فِي عَذَابِ الدُّنْيَا الْعَذابِ الْأَدْنى لِيَحْتَرِزَ الْعَاقِلُ عَنْهُ وَلَوْ قَالَ: (لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأصغر) ما

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 148
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست